الملخص
يهدف هذا البحث إلى الإبانة عن بعض جوانب حركة النقد التوثيقي في الأندلس، من خلال تقويم رواية الشعر المتداول في الأندلس، في الدواوين الشعرية والكتب الأدبية، سواء المشرقية منها والأندلسية، وإن كان التوجه في هذه الحركة مركزاً في تقويم رواية الشعر المشرقي.
وأصاب الأندلسيون في توثيقهم التراث الشعري الذي انتهى إليهم ظواهر نقدية، كان متعلقها بتصحيح نسبة النصوص الشعرية إلى أصحابها، وتخليص المرويات الشعرية من التصحيف والتحريف الذي اعترى بنيتها اللغوية، وتحرير القصائد مما انتابها من التداخل والتلفيق والاضطراب في قوامها وتسلسلها، فضلاً عن تأصيل المعاني وتداولها بين الشعراء، بالنص على أسبقيتهم فيها، والتنبيه على من زاد فأحسن، أو أخذ من غيره فقصر.
وصدر الأندلسيون في أحكامهم النقدية التوثيقية عن معايير موضوعية ذات مرجعية علمية، ترتبط بالموسوعات الأدبية والدواوين الشعرية، ورواية الثقات من أئمة رواية الشعر في المشرق، ومقاييس أخرى كان مصدرها الدراية والذوق الصقيل بالدربة والمرانة.
وكانت لغة الأندلسيين في هذا التوثيق متباينة بين الاعتدال والشدة، والهدوء والحدة، فنعتوا أحياناً غيرهم بالوهم والخلط والهذرفة، واتصفوا آخرين في الوقت نفسه فوصفوا مروياتهم بالصواب والعدل.