الملخص
بقدوم الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) شهدت المسيرة الأدبية والفكرية للروائي الأمريكي الشهير ، هيرمان ميلفل ، نقطة انعطاف هامة ، وهي انتقاله إلى الشعر كمحطة أخيرة في رحلته الإبداعية والفنية ، إذ كان ديوانه ، قصائد عن الحرب وأهم معالمها ، أول انجاز شعري له والذي ساهم إسهاماً كبيراً في بلورة شخصيته كشاعر وفي تحديد مسيرته الشعرية المستقبلية .
تسعى هذه المقالة بشكل أساسي لاستكشاف النقاط التالية:
1- أن ميلفل عاش الاضطراب الهائل الناجم عن الحرب بكل أبعاده ثم أعاد صياغته فنيا ، كما تبين معظم القصائد التي هي قيد الدراسة في هذه المقالة . وبالتالي فإن مقدرة ميلفل على التعميم تقوم أساساً على إلمامه الكبير ومتابعته اللصيقة للحقائق والتفاصيل التاريخية التي أحاطت بالحرب .
2-عمقت الحرب الأهلية إحساس ميلفل بالهوة المتسعة بين التاريخ والمثل . وما بدا جلياً الآن هو أن النزعات الإنسانية المثالية إذا ما تجاوزت حدود المعقول ستؤدي لا محالة إلى نتائج مأساوية .
3-استترت ردود فعل ميلفل إزاء الحرب في قالب جامد من الصور الذهنية المعقدة والمحكمة التنسيق التي كانت السمة الدائمة لنظرة ميلفل المأساوية ، الدرامية ، والظاهرة التناقض .
4- تظهر رؤية ميلفل المأساوية هذه جلية ليس من خلال نماذج متباينة من الصور الذهنية فحسب بل أيضاً من خلال تناقضات فكرية وأسلوبية ترافقت مع تحولات مستمرة في الطابع العام وتخير الألفاظ وما يجدر ذكره في هذا السياق هو ان مثل هذه التحولات- التي ميزت أسلوب ميلفل الأكثر خصوصية – تغدو في أوج تأثيرها عندما تنجح في إثارة جو من السخرية اللاذعة .
5-إنه بمقتضى هذا التباين في الأصوات والآراء والتنوع في النغمات التهكمية والدرامية ، نجح ميلفل في التحرر من النزعة الذاتية التي سيطرت على شعر القرن التاسع عشر ممهداً في الوقت ذاته لظهور حساسيات أدبية وفنية سادت فيما بعد في كثير من شعر القرن العشرين.